اتفاق وقف إطلاق النار الحالي بين إسرائيل و"حماس" لا يتضمن بنودا تساعد إعادة توفير خدمات المياه والصرف الصحي. ومن دون إجراءات فورية لإعادة توصيل الكهرباء، وتأمين تدفق كميات كبيرة من الوقود، والسماح بإدخال مواد الإصلاح اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، سيستمر الفلسطينيون في غزة بالتعرض للقتل بسبب الأمراض، والجفاف، وسوء التغذية.
قال سمير زقوت، نائب مدير منظمة المجتمع المدني الفلسطينية "الميزان" وأحد سكان غزة، لـ"هيومن رايتس ووتش" بعد أربعة أيام من وقف إطلاق النار: "المشكلة الكبيرة بالنسبة لنا الآن ليست في انتشال الجثث من تحت الأنقاض والدمار الهائل، المشكلة الرئيسية هي أن الناس الذين يعودون إلى منازلهم ليس لديهم الأساسيات مثل المياه والكهرباء".
تقدّر نماذج متعددة وضعها أطباء وعلماء أوبئة الوفيات الناجمة عن الإصابات الرضحية (أي الناتجة عن صدمة عنيفة) بما يتراوح بين 47 ألف و88 ألف حالة وفاة. إلا أن هذه التقديرات لا تأخذ بعين الاعتبار الوفيات الناجمة عن المرض والجوع والجفاف. وفي رسالة إلى إدارة بايدن في أكتوبر/تشرين الأول، قدّر 99 طبيبا وممرضا أمريكيا أن هناك على الأرجح أكثر من 60 ألف حالة وفاة تُعزى إلى سوء التغذية وحدها.
واستنادا إلى أبحاثنا في "هيومن رايتس ووتش"، فإن حرمان السلطات الإسرائيلية سكان غزة من المياه ساهم على الأرجح في وفاة الآلاف.
زيادة المساعدات في ظل وقف إطلاق النار لن تكفي وحدها لمواجهة آثار إجراءات السلطات الإسرائيلية على مدى الأشهر الـ15 الماضية المتعلقة بتوفير المياه والصرف الصحي في غزة. ما يجب فعله هو اتخاذ إجراءات فورية لإعادة التيار الكهربائي في جميع أنحاء غزة، وتدفق كميات كبيرة من المواد اللازمة لأعمال الإصلاحات وخبراء المياه والصرف الصحي للمساعدة في إعادة بناء المساحات الكبيرة من البنية التحتية المتضررة للمياه والصرف الصحي.
قال ماهر النجار، نائب مدير "مصلحة مياه بلديات الساحل" في قطاع غزة، وهي مؤسسة المياه الرئيسية في القطاع، لـ هيومن رايتس ووتش: "ما يزال الناس يعانون للحصول على المياه من الشبكات لأن الأضرار [التي لحقت بالشبكة] واسعة". وأضاف أن معظم الناس يعتمدون على المياه التي تجلبها الصهاريج، وهي غير كافية لتلبية الاحتياجات.
لقد كانت الأضرار الإجمالية التي لحقت بالبنية التحتية للمياه في غزة خلال الأعمال العدائية هائلة. في يناير/كانون الثاني، قدّر "البنك الدولي" وشركة "إبسوس" للأبحاث أن نحو 60% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة قد تضررت أو دمرت خلال الأعمال العدائية. وأفادت المؤسستان أنه بحلول أغسطس/آب 2024، كانت 84.6% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي قد دُمرت أو تضررت.
وفي حين لم يكن من الممكن في هذه التقارير تحديد الطرف المسؤول عن الضرر أو التدمير، وجدت هيومن رايتس ووتش، في تقرير لاحق، أن السلطات والقوات الإسرائيلية اتخذت مجموعة واسعة من الإجراءات المتعمدة لحرمان الفلسطينيين في غزة من المياه والصرف الصحي.
فبين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسبتمبر/أيلول 2024 على الأقل، قطعت السلطات والقوات الإسرائيلية إمدادات المياه التي كانت تصل إلى غزة من إسرائيل وقيّدتها لاحقا، وقطعت إمدادات الكهرباء من إسرائيل إلى غزة، التي كانت ضرورية لتشغيل مضخات المياه ومحطات تحلية المياه والبنية التحتية للصرف الصحي داخل القطاع، ومنعت الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية في غياب الكهرباء وقيّدته لاحقا.
كما منعت وكالات "الأمم المتحدة" ومنظمات الإغاثة الإنسانية من إيصال المواد الحيوية المتعلقة بالمياه وغيرها من المساعدات الإنسانية من الدخول إلى غزة، وألحقت أضرارا بالبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وفي بعض الحالات دمرتها عمدا، بما في ذلك أربعة من أصل ستة مرافق لمياه الصرف الصحي في غزة، ومنعت إصلاحها من خلال منع استيراد جميع المواد المتعلقة بالمياه تقريبا.
وتسببت بعض الغارات الإسرائيلية في قتل عمال مرافق المياه أثناء محاولتهم إجراء الإصلاحات، بينما دمرت غارات أخرى المستودع الرئيسي لمرافق المياه في غزة الذي كان يضم قطع غيار ومعدات ومواد حيوية لإنتاج المياه بقيمة 8 ملايين دولار أمريكي.
وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن هذه الأعمال ترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، فضلا عن كونها من أفعال الإبادة الجماعية.
وقد صرحت "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق"، وهي الوحدة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات الإنسانية لغزة، على موقع "إكس" في 19 ديسمبر/كانون الأول أن الأنابيب الثلاثة التي تزود غزة بالمياه عبر إسرائيل تزود السكان بمتوسط "107 لترات [من المياه] للشخص الواحد في شمال غزة، و34 لتر للشخص الواحد في وسط غزة، و20 لتر للشخص الواحد في جنوب غزة".
لم تعطِ إسرائيل إطارا زمنيا للأرقام التي قدمتها، ولكنّ هذه الأرقام لا تتفق مع تلك التي أوردتها الأمم المتحدة وغيرها من الجهات خلال الأعمال العدائية هناك، والتي تشير إلى أن الناس في غزة، في المتوسط، لم يحصلوا سوى على ما بين 2 إلى 9 لترات من المياه للفرد في اليوم الواحد بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويوليو/تموز 2024 – أي أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به الأمم المتحدة، وهو 15 لتر في حالات الطوارئ.
كما أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع في غزة. فقد أخبرنا الفلسطينيون أنهم اضطروا إلى شرب المياه المالحة والملوثة للبقاء على قيد الحياة، وروى لنا العاملون الطبيون والإنسانين العواقب المدمرة والمهددة للحياة للحرمان من المياه طوال فترة الأعمال العدائية.
وقال زقوت: "بدون عودة المياه والكهرباء، حتى لو جزئيا، فإننا ما نزال نواجه كارثة".
من المرجح أن تستغرق إعادة بناء البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة سنوات، وفي غضون ذلك، من المهم للغاية أن تقدم الدول المانحة ومنظمات الإغاثة الإنسانية الدعم للحلول المؤقتة، بما في ذلك توفير وحدات تحلية المياه ودعم الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل، لتحسين توفر المياه والصرف الصحي.
وإلى حين اتخاذ هذه الخطوات، فإن حياة آلاف الفلسطينيين تبقى على المحك.